لو بحثنا في كلِّ الأوصاف التي يمكنُ أن تنطبق على نظامِ الحكمِ في السعودية لوجدنا أنّه ليس سلطة تكرّم القاتل والمغتصب والإرهابي وقامع حرّية النّاس باسم "الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر" وإنما هو عبارة عن سلطة حكم تهين المبدع وتعتقله وتلاحقه وتعرضه الى أبشع وأحط حملات التشويه مثلما يُعذب ويَعتقل ويُلاحق من يطالب بالحرية والعدالة والمساواة في المجتمع ، لأنه خارج عن الملّة ومثير الموبقات والنّزوع نحو الغربنة والفساد والفسق والفجور والخروج عن طاعة ولي الأمر...الخ .
وحين نُحصي الحوادث البشعة، التي تعزّز الصّفات أعلاه، التي حدثتْ في السعوديةِ وحظيت بتكريمٍ أو صمتٍ حكومي رسمي ومنذ أعتقال الكاتب والروائي تركي الحمد لوجدنا إنّ كلّ يوم يمرّ والسعودية تنتجُ فضيحة تعكسُ حجم ما يعانيه هذا المجتمع من انحطاط ثقافي واجتماعي . فضيحةٌ تثير الرأي العام وتبين حجم الإمتهان والإذلال الذي يتعرض له الإنسان في مملكة الصمت هذه.
ليس ثمة بلد يكرم القتلة، قتلة الأطفال تحديداً، مثلما يفعل النظام الحاكم في السعودية وعلى حد قول الكاتبة بدرية البشر: قاتل طفلته يحصل على مكافأة! في مقالها عن الداعية الإسلامي الذي عذب طفلته، ذات الخمس سنوات، أبشع عذاب وقتلها لأنه يشك في سلوكها. لقد كرموه حين أطلقوا سراحه دون عقوبة ما وسيعود الى ممارسة مهامه كداعية من دعاة الدين ، ترى إلى ماذا سيدعو الناس؟ إلى تعذيب بناتهم أو اغتصابهنّ وقتلهنّ في خاتمةِ المطافِ أم لإطاعةِ ولي الأمر والتمسك بنصوص الدين حتى لو كانت خارج منطق العقل وإنّ الإحتكام اليها يثير الكثير من الزوابع والإختلافات ويتعارض مع روح العصر ومآلات التغيير والحريات والحقوق؟
تركي الحمد لم يرتكبْ أثماً، لم يعذبْ طفلةً أو يحرقْ جسدها ولم يتزوجْ فتاةً قاصر ولم يُزوجها لرجل تسعيني ولم يحرضْ على الإرهاب والقتل تحقيقاً لعدالة الله . لم يساهم في خرابِ المجتمع الخرب أصلاً ولم يشوه حياة وذائقة الشباب بتعاليم التكفير والتحريم السوداء. لم يفعلْ كلّ هذا ولكنه كان يتطلع للعيشِ بحريةٍ وأن يعيش الناس في بلاده بمساواةٍ وعدالةٍ وكرامةٍ.
تركي الحمد كاتب وروائي يمتلك ما لا يمتلكه أيّ داعية للقتل والإرهاب وإغتصاب النساء وتعذيب الأطفال الصغار. إنّه يمتلكُ مخيلة المبدع الذي يُشرّح المجتمع ويكشف عوراته وفضائحه الداخلية وطقوسه وعاداته التي تزيد من عزلة الإنسان واغترابه وعذابه في مجتمع مغلق وقامع. تركي الحمد يعيد صياغة هذا المجتمع وفق رؤية إنسان مبدع يحلمُ بمجتمعٍ متحضر ولا تمتهن كرامة الإنسان فيه. لم يستخدم من أجل هذا قنبلة أو يفخخ سيارة، لم يحتكر مسجداً أو مدرسةً ولم يسيرْ "عصابات المطاوعة" ليتدخل في أبسط تفاصيل حياة الناس وأكثرها خصوصية. إنّه يخاطبُ العقل الخلاق المفكر والمخيلة الحرة والذاكرة ولكنه يخاطب مجتمعاً تحكمه سلطة قبلية ومؤسسة دينية أصولية ومتطرفة لا تعادي شيئاً قدر معاداتها للعقل والفهم والخيال الإنساني.
معضلة تركي الحمد أنه يواجه كل هذا الإمتهان والإذلال ولم يتمكن من مواصلة السكوت عليه أو الصم تجنباً لردة فعل ولي الأمر، حاله حال غيره من الكتاب والمدونين ودعاة الإصلاح السياسي والدستوري الذين رفعوا أصواتهم من أجل الإصلاح والتغيير فتم إعتقالهم بدواعي الإساءة لثوابت الدين والمس بذوات مقدسة لنبي أو ملك و أمير.
إعتقال تركي الحمد كشف عن حجم الإمتهان والإرتهان الذي تعانيه جوقة الكتاب العرب الذين رهنوا أنفسهم لمنح وعطايا حكام المملكة الذين يشترون الذمم التي تمجدهم أو تصمت عنهم، حيث تزامن اعتقال الروائي تركي الحمد مع انعقاد جلسات المؤتمر الخامس والعشرين لأتحاد الكتاب العرب في المحمية السعودية الجديدة "البحرين" لم يصدر عن هذا المؤتمر أو ينطق أحد من الذين يشاركون فيه كلمة للدفاع عن زميل لهم ويطالب بإطلاق سراحه وإحترام حرية التعبير عن الراي في السعودية وحيث يقبع العديد من الكتاب والمدونين في السجون والمعتقلات على أقل تقدير. لم يفعلوا أي شيء من هذا لأنهم يخضعون لسلطة أموال النفط ومن يتحكم بها وحيث يهيمنون على وسائل الإعلام ودور النشر والمؤسسات المختصة. يمنحون الأعمدة الصحفية والجوائز لهذا الكاتب أو ذاك من أجل تجييرهم لحسابهم وإسكاتهم.
إن أتحاد الكتاب العرب وجوقة المنتفعين من وراءه وإسوة بباقي المؤسسات والمراكز الثقافية التي تمتلك ثقلاً في العالم العربي ولكنها مارست الصمت المخزي تجاه إعتقال تركي الحمد إنما يساهمون جميعاً مع نظام الحكم في السعودية ويشاركونه في تكريم القاتل وإهانة المبدع.